السينما في السعودية: من البدايات المتواضعة إلى الريادة الإقليمية

السينما في السعودية: من البدايات المتواضعة إلى الريادة الإقليمية

السينما في السعودية: من البدايات المتواضعة إلى الريادة الإقليمية

  • شهدت السينما السعودية تطورات جذرية منذ نشأتها، وانتقلت من محاولات فردية بسيطة في منتصف القرن العشرين إلى صناعة سينمائية متكاملة تنافس على الساحة الإقليمية والدولية. في هذا المقال نستعرض تاريخ السينما في المملكة العربية السعودية، مع التركيز على أبرز المحطات والإنجازات التي شكلت ملامحها الحالية.




نظرة على تاريخ السينما في المملكة

  • بدأت أولى محاولات صناعة الأفلام في السعودية في خمسينيات القرن الماضي، بإنتاج فيلم "الذباب" عام 1950. وفي عام 1975، قدم المخرج عبدالله المحيسن - أحد رواد السينما السعودية - فيلم "تطوير مدينة الرياض"، أحد أوائل الأفلام الوثائقية السعودية. فاز لاحقًا بجائزة نفرتيتي لأفضل فيلم قصير في مهرجان القاهرة السينمائي عن فيلمه "اغتيال مدينة" عام 1977.
  • رغم هذه البدايات، واجهت السينما المحلية تحديات كبيرة، أبرزها حظر دور العرض في أوائل الثمانينيات، مما أدى إلى توقف النشاط السينمائي العام لأكثر من ثلاثة عقود.




بداية الانطلاقة الفعلية للسينما السعودية

  • في ديسمبر 2017، أعلنت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع عن إصدار تراخيص لدور السينما، ما مثّل بداية نهضة السينما السعودية. وفي 18 أبريل 2018، افتُتحت أول دار سينما في الرياض بعرض فيلم "Black Panther"، كأول عرض سينمائي رسمي بعد رفع الحظر.
  • منذ ذلك الحين، شهدت صناعة الأفلام السعودية نموًا متسارعًا، إذ تم افتتاح 66 دار عرض في 22 مدينة بحلول عام 2024، تحتوي على أكثر من 600 شاشة. وبلغت إيرادات شباك التذاكر في السعودية لعام 2024 حوالي 845.6 مليون ريال، مع بيع 17.5 مليون تذكرة.




محطات رئيسية في تطور السينما السعودية

  • إطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (2019): أول مهرجان دولي للأفلام في جدة، عُرض فيه 138 فيلمًا من 67 دولة، مما وضع السينما السعودية على خريطة المهرجانات العالمية.
  • تأسيس هيئة الأفلام السعودية (2020): بهدف دعم وتمويل المشاريع، وتوفير برامج تدريبية لتأهيل صناع الأفلام السعوديين.
  • جوائز اليسر: تُمنح لأفضل الأفلام والمواهب خلال مهرجان البحر الأحمر، وتُعد من أبرز الجوائز السينمائية في المنطقة.
  • عرض فيلم "نورة" في مهرجان كان (2024): أول فيلم سعودي يُعرض ضمن قسم "نظرة ما"، مما يعكس جودة الإنتاج السينمائي المحلي.



إحصائيات وأرقام عن السينما في السعودية

  • إيرادات شباك التذاكر (2024): 845.6 مليون ريال سعودي
  • عدد التذاكر المباعة: 17.5 مليون تذكرة
  • عدد الأفلام السعودية المعروضة: 17 فيلمًا، بإجمالي إيرادات 76.6 مليون ريال (زيادة 19٪ عن 2023)
  • عدد دور السينما: 66 دار عرض في 22 مدينة سعودية



دور القطاع الخاص في دعم السينما السعودية

  • إلى جانب الدعم الحكومي، لعب القطاع الخاص دورًا مهمًا في تسريع تطور السينما المحلية، من خلال الاستثمار في دور العرض، ورعاية المهرجانات، وتمويل بعض مشاريع الإنتاج المستقلة. دخول شركات كبرى مثل "فوكس سينما" و"موڤي سينما" ساهم في توسيع البنية التحتية للعرض، وتعزيز تجربة المشاهدة، وهو ما أسهم في جذب الجمهور السعودي بشكل أكبر. كما أن الشراكات بين شركات الإنتاج السعودية والجهات الإقليمية والدولية بدأت تؤتي ثمارها، من خلال أعمال مشتركة تعكس الهوية الثقافية السعودية بمعايير إنتاج عالمية.




مواهب سعودية تبرز على الساحة الدولية

  • هيفاء المنصور: أول مخرجة سعودية، قدمت فيلم "وجدة" (2012)، الذي كان أول فيلم سعودي يُعرض في مهرجانات دولية مرموقة، وتم ترشيحه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
  • علي الكلثمي: مخرج فيلم "مندوب" (2023)، الذي تناول قضايا اجتماعية بجرأة، وحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، مما يعكس تطور السينما السعودية في تناول مواضيع حساسة.
  • رولا دخيل الله: فازت بجائزة "شوبارد للمواهب السعودية الصاعدة" في مهرجان البحر الأحمر السينمائي لعام 2024، مما يبرز دور المرأة السعودية في صناعة السينما.

نجوم السينما السعودية – أصالة تلمع عالميًا

  • فهد القحطاني – "بطل الهامور"
  • فيلم الهامور، القصة التي شهدها أغلب المجتمع السعودي الآن، مستوحى من قصة حقيقية في بداية الألفيات، يُعرض على منصة نتفلكس، وقدَّم أداء وفكرة جديدة في السينما السعودية، وأحدث نقلة مختلفة في القصص السينمائية الواقعية. أهم ما يميز فهد القحطاني في الفيلم أنه قدم أول دور له، ولكنه أتقنه ببراعة، وهذا مؤشر لوجود العديد من المواهب السعودية الصاعدة التي ظهرت تزامنًا مع الدعم الحكومي للسينما السعودية.
  • خالد صقر
  • ممثل سعودي أصيل (مواليد 1990)، حاز على جائزة أفضل ممثل في مهرجانات أفلام الشباب عن أعمال مثل "عطوى"، "كمان"، و"300 كم". برز في الدراما التلفزيونية بعمق أدائه في "شارع الأعشى"، و"مسلسل اختطاف"، ويُعد أحد أهم الوجوه السينمائية التي تساهم بصناعة مستقبل السينما السعودية.
  • فيصل الدوخي
  • حصل على أفضل أداء تمثيلي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 2020 عن فيلم "حد الطار". فيصل ليس مجرد ممثل يؤدي النص، بل هو حالة سينمائية فريدة، يختار أدواره بدقة. في الفيلم لم يكن يتحدث كثيرًا، لكنه شرح كل شيء بنظراته التي صنعت الحبكة، وملأت المشهد بمشاعر مكثفة لم تحتج إلى كلمات طويلة. هو من القلائل الذين فهموا أن التمثيل في جوهره: فن الاقتصاد في التعبير، والإسراف في الصدق. حصد الجوائز لأنه ببساطة كان "حقيقيًا". يمثل أحد الوجوه النقية في الموجة السعودية الجديدة.
  • عبد العزيز الشهري
  • ممثل ومؤدي أصوات من النماص (مواليد 1991)، حقق شعبية كبيرة من خلال أعمال "تلفاز 11" مثل "خمبلة"، وأضفى بصمة كوميدية عبر "مسامير"، وشارك في أفلام مثل "راس براس" و"فرسان قريح". قدرته على بناء الشخصيات الصوتية تمنحه بعدًا فريدًا وسط هذا الجيل. تميّز أيضًا في "الخلاط" و"سطار". لا يحتاج إلى صخب حتى يُرى؛ بل يتسلل إلى ذاكرة المشاهد ببراعة التفاصيل واتزان الأداء. يمثل الواقع السعودي، ولهذا يلمس مشاعر الناس لأنه يشبههم.
  • إبراهيم الخيرالله
  • كاتب وكوميدي سعودي، بدأت مسيرته المسرحية في سن 12 عامًا، قبل أن يصبح نجم ستاند أب بشخصية "التمساح"، وشارك في "آرابز غوت تالنت"، وهو مؤسس لمشهد الكوميديا المحلي. استمرار إبراهيم وإيمانه بما يقدمه رغم قلة الدعم آنذاك يؤكد على قدرته على استشراف المستقبل. الخيرالله اليوم مؤشر ثقافي للجيل الجديد، ونموذج إبداعي مختلف.


  • نجوم عالميون على الخط
  • إلهام علي
  • إلهام علي تجسيد ذكي لرحلة المرأة السعودية في السينما الحديثة؛ نضج، جرأة، ومرونة في الأداء جعلتها من أبرز ممثلات جيلها. حصدت جائزة أفضل ممثلة آسيوية 2024، بعد سلسلة من الأدوار التي جمعت بين العمق الدرامي وخفة الحضور. برعت في تجسيد مشاعر معقدة دون افتعال، واختياراتها الدقيقة للنصوص وأسلوبها المتزن في إبراز الشخصية جعلها حاضرة بقوة على الشاشات الخليجية، ومؤهلة لتمثيل الوطن دوليًا بثقة وإتقان.
  • آيشا هارت (Aiysha Hart)
  • آيشا تقدم حالة فنية سعودية هجينة بين الشرق والغرب، لكنها تحافظ على الجذور بذكاء شديد. بملامحها الهادئة وحضورها المتزن، شاركت في أعمال أوروبية مثل "Atlantis" و"Line of Duty" و"Polite Society"، ودمجت الأداء الواقعي مع العمق العاطفي. نموذج للفنانة السعودية التي تقدم نفسها بلغة العالم، وتبقى ابنة مجتمعها.
  • أضوى بدر
  • أضوى تمثل الهدوء المتزن الذي يخفي تحته قدرة تمثيلية قوية. اختيرت ضمن قائمة Arab Stars of Tomorrow 2023، وتميّزت بأداء واقعي يلامس عمق التفاصيل الصغيرة، دون افتعال عاطفي. حضورها مقنع حتى في الأدوار الصامتة. أضوى تمثل جيلًا لا يبحث عن الشهرة، بل يترك العمل يتحدث عنه بحرفية عالية واتزان واضح.


  • السينما السعودية: نحو مستقبل واعد
  • مع ازدياد الدعم الحكومي، وتنامي اهتمام الجمهور المحلي والعالمي، تقف السينما السعودية الحديثة على مشارف قفزة نوعية. المملكة اليوم لا تسعى فقط لإنتاج أفلام محلية، بل تهدف إلى تحقيق انتشار عالمي ومنافسة على الجوائز السينمائية الدولية، مما يعزز موقعها كمركز سينمائي إقليمي صاعد.
  • من المتوقع أن تشهد السنوات القادمة تركيزًا أكبر على المحتوى المحلي الأصيل، مع الاستثمار في منصات البث الرقمي السعودية التي تسهم في نشر الأفلام إلى جمهور أوسع، وتوفر فرصًا أكبر لصناع المحتوى الشباب. كما أن التوسع في التمثيل النسائي في السينما السعودية، والاهتمام المتزايد بتوثيق القصص المجتمعية، يمثلان بوادر تحوّل عميق في المشهد السينمائي.



  • المصادر والمراجع:

1. Arab News: "The rise, fall and rebirth of Saudi cinema" 

2. Time: "Black Panther Will Be the First Film Shown in Saudi Arabian Cinemas in 35 Years"

3. Saudi Film Commission: "Box Office Report 2024"

4. Red Sea Film Festival: "The Yusr Awards"

5. Wikipedia: "Norah (film)"

6. Wikipedia: "Wadjda"

7. The Guardian: "Ali Kalthami on his subversive new Saudi thriller"