ما الذي يجعل الإعلان الواحد لا يُنسى؟

ما الذي يجعل الإعلان الواحد لا يُنسى؟

ما الذي يجعل الإعلان الواحد لا يُنسى؟

  • في يوليو 2025، من المتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق العالمي على الإعلانات الرقمية 889 مليار دولار، بزيادة تقدّر بـ 7.3٪ عن عام 2024. وهذا الرقم يعكس شيئًا واحدًا: المنافسة على انتباه الجمهور أصبحت أكثر شراسة من أي وقت مضى. فوسط هذا البحر المتلاطم من الرسائل التسويقية، هناك إعلانات تمر دون أثر، وأخرى تبقى، وتُستدعى من الذاكرة حتى بعد سنوات، وكأنها جزء من الوجدان. فما السر وراء هذه الإعلانات التي لا تُنسى؟ وما الذي يجعل إعلانًا واحدًا ينجح في طبع نفسه في الذاكرة بينما يتلاشى الآخر في لمح البصر؟


  • أول ما يشدّ الانتباه في الإعلان هو عنوانه وصورته، هذا الانطباع الأول لا مجال فيه للمجاملات، فالفرصة لا تتجاوز ثلاث ثوانٍ: إما أن تُخطف العين، أو تُغلق النافذة. وقد بيّنت تقنيات تحليل التذكر البصري مثل ResMem أن الصور الملفتة، سواء من حيث الألوان أو التكوين غير التقليدي، تُعد أكثر قابلية للتذكر، بغض النظر عن جودة الموضوع. كما أظهرت تقنيات مثل MindMem أن التحكم بسرعة العرض والتعقيد البصري وتحفيز المشاهد عاطفيًا يمكن أن يرفع من احتمالية تذكر الإعلان بنسبة تصل إلى 74٪. وهذا ما يجعل من الصورة والعنوان عنصرين أساسيين في بناء أي حملة ناجحة.


  • لكن لا يكفي أن يجذب الإعلان البصر، بل لا بد أن يتحدث أيضًا إلى الداخل، إلى الحاجة. الإعلان الذي ينجح في ذلك هو الذي يفهم ما يؤلم الجمهور، أو ما يحفّزهم، أو ما يلامس شغفهم. لا يهم حجم الميزانية أو عدد المؤثرين المشاركين؛ المهم هو أن يعرف المعلن من يخاطب ولماذا. تقرير حديث من HubSpot أكد أن أكثر الإعلانات التي تعلق في الذاكرة ليست بالضرورة تلك ذات الميزانيات الضخمة، بل التي تبني قصصًا واقعية ومؤثرة تتقاطع مع الحياة اليومية للجمهور. والأسلوب القصصي، خاصة حين يُغلف بلحظات الحنين (النستولوجيا)، يجعل العلامة التجارية تبدو أقرب، ويمنحها موقعًا شعوريًا دائمًا في الذاكرة.


  • ثم هناك عنصر المفاجأة، أو البساطة المتقنة — وكلاهما سلاح فعّال في التسويق. الدماغ البشري مصمّم لتجاوز ما هو مألوف ونسيانه، لكنه يتوقف عند ما يثير الدهشة أو يطمئنه ببساطته. دراسة نُشرت عن طريق وكالة VCCP عام 2024 أثبتت أن الدماغ لا يحتفظ بالتفاصيل الزائدة، بل يختار ما هو مميز فقط. وبالتالي، إعلان فيه صورة غير متوقعة، أو قصة قصيرة تنتهي على نحو غير متوقع، يبقى في الذاكرة أطول بكثير من إعلان تقليدي مزدحم بالمعلومات. البساطة أيضًا تلعب دورًا مهمًا، خصوصًا عندما تُستخدم بحنكة. إعلان بصري نظيف برسالة واحدة واضحة يسهل حفظه ويعزّز أثره.
  • في السياق نفسه، لا يمكن إغفال قوة الموسيقى والعاطفة في صناعة الإعلان الذي لا يُنسى. الموسيقى ليست فقط مؤثرًا جماليًا، بل أداة لتعزيز الارتباط العاطفي بين الجمهور والعلامة التجارية. دراسة من مؤسسة Neuro Insight أثبتت أن الإعلان الذي يحتوي على مقطوعة موسيقية مكرّرة، أو قصة عاطفية متماسكة، يحقق معدل تذكّر أعلى بنسبة 24٪ واستجابة شعورية أفضل بنسبة 15٪. الأمر لا يقتصر فقط على الموسيقى، بل يشمل الأداء الصوتي، ونغمة النص، والإيقاع البصري، وكل ما يعزّز الجانب الإحساسي للمحتوى.


  • وهنا نصل إلى نقطة جوهرية: التكرار. لا يمكن لإعلان أن يصبح جزءًا من الذاكرة من أول مرة، ولا من مئة مرة بنفس الشكل. التكرار الذكي هو أن تُعرض الرسالة على فترات، بزوايا مختلفة، دون أن يشعر الجمهور بالملل. التوزيع المدروس للإعلانات يرفع من فعالية التذكّر بشكل كبير. دراسة أجرتها IAS بيّنت أن الإعلان العاطفي عندما يوضع بجوار محتوى مرتبط به موضوعيًا، مثل عرض إعلان صيفي في موقع ينشر مقالات عن العطلات الصيفية، تزيد نسبة التذكّر بمعدل 40٪ مقارنة بإعلانات توضع بشكل عشوائي. كما أظهرت أبحاث Comcast وMediaScience أن مشاهدة الإعلان عبر شاشة تلفزيونية تزيد من معدل استدعاء العلامة بمقدار 2.2 مرة مقارنة بالمشاهدة عبر الهواتف المحمولة.


  • أخيرًا، تأتي العناصر الإبداعية التي تجعل الإعلان متماسكًا وجذابًا من الناحية الحسية. منصة Incivus العالمية لخدمات تحليل الإعلانات الإبداعية أشارت إلى أن هناك سبعة عناصر إبداعية تؤثر بشكل مباشر في تذكّر الإعلانات: الوجوه البشرية، الموسيقى، العواطف، القصة، النص، الصورة، والهوية البصرية للعلامة.
  • الوجه البشري تحديدًا يعزز من شعور الارتباط، لكن إن وُضع ضمن تصميم مزدحم، فإنه يُفقد فعاليته. التوازن البصري، والبساطة في التصميم، والوضوح في الصوت والصورة، كل ذلك يصنع الفرق.


  • والدليل الأقوى على قوة هذه المبادئ؟
  • إعلان مايسترو بيتزا لليوم الوطني بعنوان "أجل نحن الحجاز ونحن نجد". الإعلان لم يكن عرضًا للمنتج، بل كان أغنية لقصيدة غازي القصيبي الشهيرة بصرية تُغنّى بالهوية والتاريخ. بصوت دافئ وصور دافقة بالبُعد الإنساني، استعرضت مايسترو قصص بطولات سعودية، وأشخاص لهم ارث ثقافي مرتبط بالهوية الوطنية.


  • الرسالة لم تكن عن مايسترو تحديدًا، بل قدّمت الانتماء المحلي كذاكرة وطنية. ومن خلال لغة عاطفية بسيطة وشاعرية، تحوّلت نكهة البيتزا إلى جسر يربط بين الأصالة والحداثة، وبين القلب والمنتج. وبهذا، لم تكتفِ مايسترو بأن تكون علامة تبيع الطعام، بل رسّخت نفسها كعلامة تفهم الناس أولًا وأنها جزء من هذا المجتمع... وتخاطب وجدانهم قبل شهيّتهم.





المصادر والمراجع:

1.       Statista – Digital Advertising Spending Forecast (2025)

https://www.statista.com/statistics/237974/online-advertising-spending-worldwide/

2.       Zebracat – 50+ Advertising Statistics for 2025

https://www.zebracat.ai/post/advertising-statistics

3.       Wired – Memorability in Visual Design

https://www.wired.com/story/beauty-is-in-the-eye-of-the-beholder-but-memorability-may-be-universal

4.       ArXiv – MindMem: Modeling Ad Memorability via Neural Features

https://arxiv.org/abs/2502.18371

5.       HubSpot – What Makes an Ad Memorable?

https://blog.hubspot.com/marketing/memorable-ads

6.       Lambda Films – What Makes a Good Advert?

https://www.lambdafilms.co.uk/what-makes-a-good-advert

7.       Creative Salon – Insights from VCCP Study

https://creative.salon/articles/features/what-makes-ads-memorable

8.       Neuro-Insight – Emotion & Memory in Advertising

https://www.neuro-insight.com/

9.       IAS – The Context Effect Research

https://integralads.com/news/ias-the-context-effect-research/

10.     Comcast Advertising – TV Makes Memories Report

https://comcastadvertising.com/insights/research-reports/tv-makes-memories/

11.     Incivus – Inside the Making of Memorable Ads

https://www.linkedin.com/pulse/inside-making-memorable-ads-incivus

12.     Siegel+Gale – Simplicity Index Report

https://www.siegelgale.com/simplicity-index/

13.     Coca-Cola – “Taste the Feeling” Campaign Overview

https://www.coca-colacompany.com/news/taste-the-feeling-campaign

14.     Apple – Think Different Campaign

https://www.apple.com/think-different/ (أرشيفي/تاريخي)

15.     AdAge – Most Memorable Ads of the 21st Century

https://adage.com/article/special-report-marketers-year/most-memorable-ads-21st-century/2352066